يفتح قرار الحكومة السعودية بالسماح للقطاع العام باستخدام المشاركة في الدخل لتكون أحد أساليب التعاقد لتنفيذ أعمالها ومشترياتها، الباب واسعاً أمام تعزيز الفرص الاستثمارية لشركات القطاع الخاص في مختلف مجالات الاقتصاد الوطني، وبخاصة مشاريع البنية التحتية والخدمات العامة.
ويأتي قرار المشاركة في الدخل، والذي يعني أن يدخل القطاع الخاص شريكاً في الدخل المتوقع مع الجهة الحكومية في تشغيل المشروع المنفذ من قبل شركة القطاع الخاص، في إطار الجهود الحكومية الرامية إلى توسيع مظلة التشارك بين القطاعين العام والخاص، وزيادة مساهمة الأخير في الناتج المحلي وتمكينه من الاستفادة من الأصول الحكومية في تنفيذ المشاريع بما يسهم في تحسين أدائه للخدمات التي يقدمها، ويتيح الفرصة للحكومة لطرح المزيد من المشروعات الجديدة دون تحميل الميزانية العامة أعباءً جديدة ؛ حيث تقل نسبة المخصصات المرصودة في المشروع المطروح بصيغة المشاركة في الدخل، عن تلك المخصصات التي ترصد للمشروع المطروح وفق آليات وأساليب التعاقد المعتادة للمنافسات والمشتريات الحكومية.
والمرسوم الملكي الخاص بإدخال المشاركة في الدخل كأسلوب تعاقدي جديد في تنفيذ المشاريع الحكومية وتأمين مشترياتها الذي صدر بتاريخ 13/04/1443هـ الموافق 18/11/2021م جاء بعد نحو سبعة عشر عاماً من صدور "القواعد المنظمة لمشاركة القطاع الخاص في الأعمال الإلكترونية وفق أسلوب المشاركة في الدخل المتوقع" بقرار مجلس الوزراء بتاريخ (05/04/1425هـ - 24/05/2004م) والذي يعد اللبنة الأولى في برامج إدخال القطاع الخاص كشريك في الدخل للمشاريع الحكومية المنفذة من قبله، وذلك برغم أن القواعد قد تعلقت بأعمال محددة أملتها طبيعة مرحلة التطور الاقتصادي للمملكة وما رافقها من توسع في تقديم الحكومة لخدماتها للجمهور من خلال الوسائل الإلكترونية فيما يعرف بالحكومة الإلكترونية، ويبدو أن تجربة مشاركة القطاع الخاص في مشاريع الحكومة الإلكترونية قد نجحت بالقدر الذي جعل الدولة تتجه لتعميم مبدأ هذه المشاركة لتشمل كافة المشاريع الحكومية من أعمال ومشتريات دون استثناء أو حصر في قطاع بعينه.
وعليه، فإنه وبصدور مرسوم المشاركة في الدخل، وصدور نظام المنافسات والمشتريات الحكومية الجديد في (13/11/1440هـ - 15/07/2019م) ولائحته التنفيذية الجديدة في (11/08/1441هـ - 04/04/2020م)، وصدور نظام التخصيص في (05/08/1442هـ - 18/03/2021م) والقواعد المنظمة للتخصيص في (14/02/1443هـ - 21/09/2021م) تكون الحكومة السعودية قد وفرت ثلاثة مداخل للقطاع الخاص للمشاركة في الأعمال والمشتريات الحكومية، لكل منها ما يميزه ويجعله مختلف عن الآخر، وإن كانت الغاية متحققة فيهم جميعاً، والمتمثلة في توسيع مساهمة القطاع الخاص في التنمية الاقتصادية المحلية وفق أسلوب المشاركة مع القطاع العام. وستوضح هذه المقالة أبعاد قرار المشاركة بالدخل والتأثيرات التي يتوقع أن يحدثها على استثمارات القطاع الخاص، مع مقارنته مع نظام التخصيص وقواعده المنظمة، وأثر ذلك على القطاعين العام والخاص، وكذلك أثره على المشاريع الحكومية محل المشاركة، وأثره أيضاً في تحديد طبيعة المنازعات المحتملة بين القطاعين العام والخاص سواء من ناحية تزايد أو تقلص هذه المنازعات، أو من ناحية طبيعة الوقائع المتنازع عليها.
يعتبر المرسوم القاضي بإشراك القطاع الخاص في تنفيذ الأعمال والمشتريات الحكومية بالمشاركة في الدخل، استثناءً من الأحكام العامة لنظام المنافسات والمشتريات الحكومية المعني بتنظيم العلاقة بين القطاعين العام والخاص في تنفيذ المشروعات الحكومية، حيث إن هذا النظام لم ينص على أسلوب المشاركة في الدخل كصيغة تعاقدية بين القطاعين العام والخاص، وحدد آلية التعاقد في قيام الجهة الحكومية بتحديد احتياجاتها وتكلفتها التقديرية، ثم تطرح الأعمال أو المشتريات للمنافسة العامة، على أن تتولى هي - الجهة الحكومية - الدفع المباشر للمتنافس الفائز عبر مستخلصات معتمدة يقوم برفعها وفقاً للعقد المبرم بينهما، وبالتالي فإن المقاول أو المتعهد لا يعد هنا شريكاً في الدخل المتحصل من المشروع، حيث إن صلته وارتباطه بالمشروع تنتهي باكتمال التنفيذ وإتمام إجراءات التسليم النهائي، ولا تمتد، عادة، إلى مرحلة التشغيل . وبالتدقيق في قرار المشاركة نجده قد أكد على هذا الاستثناء وبأنه لا يمكن تطبيق قرار المشاركة في الدخل مع سريان نفاذ كامل نصوص أحكام نظام المنافسات دون استثناء النصوص التي تتعارض مع قرار المشاركة، كما نجد أن القرار قد منح الاختصاص في الاستثناء لوزير المالية، وأن يكون هذا الاستثناء مرتبطاً بفترة زمنية محددة قدرها القرار بثلاث سنوات لا تزيد عليها؛ ما يعني أن سريان القرار وسريان استثناء المواد المتعارضة معه في نظام المنافسات هو إجراء مؤقت، يحتمل بانتهاء مدته، إما تمديده، أو تجميد العمل به، أو توسيع العمل بالمرسوم سواء من خلال عدم توقيت الاستثناء بفترة معينة، أو إلغاء المواد المتعارضة معه من النظام، أو إصدار تنظيم منفصل ينظم مبدأ المشاركة بالدخل من خلال قواعد وإجراءات خاصة، وهو ما نرجحه للأسباب التالية:
وبناءً على ذلك، فيرجح أن تكون التجربة العملية التي ستسفر عنها السنوات الثلاث القادمة هي المحك الفعلي الذي سيتقرر معه استمرار العمل بهذا المرسوم أو توسيعه في شكل نظام منفصل أو تجميد العمل به.
كما إن هناك تشابهات عديدة بين نظام التخصيص وقرار المشاركة في الدخل، فهناك أيضاً اختلافات كثيرة بينهما. وفي جانب التشابهات نجد أن أبرزها يتمثل في أن كليهما -النظام، وقرار المشاركة - يمنحان الفرصة للقطاع الخاص في المساهمة في تنفيذ أعمال القطاع العام، وأن العلاقة بينهما تحكم وتنظم بواسطة عقد يبرم بينهما. أما الاختلافات بينهما فتتمثل أبرزها فيما يلي:
بما أن الجهات الخاصة ستكون مشاركة في الدخل المتحصل من المشروع المنفذ من خلال أسلوب التشارك في الدخل مع القطاع العام، فإن ذلك سيلقي بانعكاساته على طريقة العمل في المشروع وإدارته وتنفيذه والتي ستكون أقرب إلى التشاركية من كونها علاقة بين صاحب عمل ومقاول، وهذه المتابعة اللصيقة للمشروع وكذلك التعاون الذي نفترضه، سيتيح الفرصة للتصحيح والتعديل ومراجعة الأداء بشكل متواصل أثناء عملية التنفيذ؛ الأمر الذي يؤدي في النهاية لإكمال المشروع دون حدوث نزاعات تذكر بين الطرفين، أو أن تصل الخلافات بينهما إلى المحاكم، والتي حتى وإن حدثت فلن يكون عددها مؤثراً، ذلك إلى جانب أن مشاركة القطاع الخاص في الدخل المتوقع من المشروع، سيزيد – تلقائياً - من حرص القطاع الخاص على إيصال المشروع إلى نهاياته في الوقت المتفق عليه في العقد، وأن يأتي التنفيذ على المستوى المطلوب؛ وذلك ليُشغّل المشروع في وقته المحدد، ويبدأ في تحقيق الدخل المتوقع، وبالتالي يبدأ القطاع الخاص في تحصيل نصيبه في الشراكة والتي تمثل في الأصل مستحقاته المالية مقابل التنفيذ.
وبالارتكاز على ما سبق فإن علاقة التعاقد وفق مبدأ المشاركة في الدخل ستقلل من النزاعات في تنفيذ المشروعات الحكومية من ناحية:
حيث إن القطاع الخاص، وفقاً لأسلوب المشاركة في الدخل، هو شريك للقطاع العام في الدخل المتوقع للمشروع عند التشغيل، فإن ضمان استحقاق القطاع الخاص لنصيبه في دخل المشروع (مستحقات التنفيذ أو التوريد) يكون -بدرجة ما- بيد القطاع الخاص نفسه، وليس متعلقاً بشكل أكبر بالجهة الحكومية صاحبة المشروع، فمتى اكتمل المشروع في الوقت المحدد وبالطريقة المتفق عليها ودخل مرحلة التشغيل، تبدأ جهة القطاع الخاص وبشكل مباشر في تحصيل مستحقاتها من هذا التشغيل.
مما سبق عرضه، نصل إلى أن أسلوب المشاركة في الدخل كأسلوب تعاقدي جديد بين القطاع العام والخاص، يحقق قيمة مضافة للقطاع العام وللقطاع الخاص على السواء، ونجمل ذلك في التالي: